الثلاثاء، 2 يوليو 2013

أديب الشيشكلي , الانقلاب الثالث و المؤامرة الباطنية



"إن المسؤولیة الكبرى في الانقلاب الثالث تقع على عاتقالحزب الوطني، وحزب الشعب، فقد قبل الأول التعاون مع حسني الزعیم، وتسلم حزب الشعب الحكم من سامي الحناوي، رغم أنه حل مجلس النواب، لقد فكروا في الحكم أولا ،ً ثم إجراء انتخابات یسیطرون على نتائجھا " (1)

 في التاسع عشر من ديسمبر /كانون الثاني 1949 تحركت عدة وحدات من الجيش السوري نحو دمشق , واعلنت البلاغ رقم واحد (للمرة الثالثة خلال 9 شهور)قائلة انها قامت لحماية النظام الجمهوري السوري (2) , لكن ما الفرق بين النظام الجمهوري والنظام الملكي لدى هؤلاء ؟ فقد أثبت لاحقا كل المطالبين بالجمهورية ان همهم الوحيد هو السلطة ولم تكن الجمهورية او الملكية الا تبريرا لأفعالهم .و كان قائد الانقلاب هو (أديب الشيشكلي) , ولم يكن معاونيه في انقلابه الا معاوني الحناوي في انقلابه , (فضل الله ابو منصور) و (امين ابوعساف) اللذان خاطبهما الشيشكلي بعد عزله عن قيادة اللواء الاول قائلا لهما "انهما امل سوريا في انقاذها من الامبريالية" (3) بينما كان المدبر للانقلاب هو صديق طفولة (اديب الشيشكلي ) الثعلب (اكرم الحوراني) الذي يقول عنه المؤرخ (محمد ابو عزة) " وكان من عادته أن یقف وراء كل انقلاب عسكري جدید، یدعمه بقلمه ورأیه وأنصاره، ثم لا یلبث قلیلا حًتى یصطدم بصخرة الحكم العسكري، فیعلن احتجاجه، ثم یتوارى عن الظل استعدادا لًانقلاب جدید " (4) , لكن الشيشكلي لاحقا ادرك امورا اكبر , اهمها التفطن للخطر الباطني .
 
ولد (أديب حسن الشيشكلي)  من عائلة ذات وجاهة و غنى , انضم ايام الانتداب الى الجيش الفرنسي و رقي لرتبة ملازم اول و عيّن في مناطق نائية بسبب تمرده على سلطة الانتداب والتحق بالكلية الحربية في مطلع الثلاثينيات. وعندما اندلعت الحرب الفلسطينية سنة ١٩٤٨ انضم إلى جيش الإنقاذ وكان نائباً لفوزي القاوقجي وصديقا لأكرم الحوراني , وقد لعب الشيشكلي دوراً أساسياً في انقلاب حسني الزعيم ولكنه سرعان ما اختلف معه حول قضية سعادة فقد كان الشيشكلي يتعاطف بقوة في البداية مع الحزب القومي السوري , فخطط لانقلابه ضد الزعيم , ثم ضد الحناوي لاحقا . واستفاد الشيشكلي من تجارب سابقيه فلم يعتقل احد و لم يقتل احدا , بل ترك الحكم في البداية للسياسيين واخذ هو منصبا لا يثير الانتباه كنائب لرئيس الاركان الذي تولاه العقيد (أنور بنود)  . قام الشيشكلي بعد 6 ايام من انقلابه في 25/12/1949 بتكليف خالد العظم بتشكيل الحكومة و تولى (أكرم الحوراني) صديق الشيشكلي وزارة الدفاع بدعم من الجيش ,بينما اصبح (مصطفى السباعي) وزيرا للمعارف و (معروف الدواليبي) وزيرا للاقتصاد , وتم تعيين النصيري (عزيز عبدالكريم) قائدا للمدفعية بدلا من (ارام كره موكيان ) و تولى النصيري الاخر (محمد حسن ناصر) سلاح الجو بدلا من (صلاح الدين خانكان) و اسندت قيادة اللواء اول مدرع  الى (امين ابو عساف) (5) و كان الدروز في تلك الفترة رأس حربة التنفيذ في الانقلابات حتى انهى النصيريون دورهم بعد انقلاب 1966 .



تميزت فترة حكم الشيشكلي بتقارب مع السعودية و مصر , و استطاع الحصول على قرض سعودي بقيمة 6 ملايين دولار بعد ان زارها مرتين اجتمع فيها مع الأمير فيصل بن عبدالعزيز و ناقش تسليح الجيش السوري , وفي لبنان توترت العلاقة بينه وبين سوريا بسبب خلاف اقتصادي ادى الى قطيعة اقتصادية بين البلدين , فارتفعت اسعار السلع في لبنان واحتج الناس في  طرابلس و قالوا بأنهم سيطالبون بالانفصال عن لبنان و الانضمام لسوريا اذا ما تمت القطيعة الكاملة (6) , اما في الاردن و عندما تولى (طلال بن عبدالله) عرش الاردن سنة 1952 كان الشيشكلي يدافع عنه و لم يصدق شائعة مرضه العقلي (7) لكنه لم يبادل والده (عبدالله بن حسين) الشعور ذاته ولا حفيده من بعده , وفي فترته تقاربت سوريا مع الولايات المتحدة رغبة من الاخيرة بوقف التمدد اليساري في الشرق الاوسط حيث شهدت تلك الفترة نشاطا يساريا ملحوظا فكانت الولايات المتحدة تدعم الجيش بكل ما تستطيع لوقف هذا النشاط وكبحه ,ولم تعتمد على السياسيين بسبب ضعفهم وعدم ثباتهم في أي منصب  (8). على الصعيد الداخلي , حارب حزب الشعب من اجل إضعاف نفوذ الجيش الذي لم يعد يحقق اهدافه السابقة , فوصل برئاسة (ناظم القدسي) الى منصب رئيس مجلس الوزراء في 4/6/1950  و كان قد عارض بشدة تعيين صديق الشيشكلي (فوزي سلو) وزيرا للدفاع الذي أصر الشيشكلي على وضعه لعدم ثقته بمجلس الوزراء الذي كان غالبيته من حزب الشعب (9) . كما منع الشيشكلي في بيان أصدره في 10/8/1950 من تنسيب عناصر الجيش لأي حزب و عاقب عليه بحل الحزب و تسريح العسكري الذي يثبت انتسابه له (10) وربما كان هذا اكبر سبب جعل الحوراني ينقم بشدة على الشيشكلي حيث انه كان يعتمد بشكل كبير على العسكر في تدبير انقلاباته .وفي أيلول/سبتمبر 1950 أقر في المادة الثالثة لاول مرة في الدستور السوري بأن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وان الفقه الاسلامي مصدر من مصادر التشريع , و ذلك بعد مناقشات طويلة دامت  اشهر كاملة , وقد اعترض المسيحيون عليها ففي عيد الفصح خطب بطريارك اليونان الكاثوليك في المسيحيين قائلا "عليكم ان تناضلوا لتثبتوا ان الحق معكم وانكم لستم لاجئين في وطنكم" وقابل المطران (حريكة) رئيس الوزراء (خالد العظم) ليحتج قائلا ان ربط الدولة بالدين سيحط من سمعة البلاد , و اعترض (ميشيل عفلق) ايضا مدافعا عن علمانية الدولة , وظهر على السطح (فارس الخوري) البروتستانتي المخضرم ليعلن معارضته لهذه المادة قائلا (الدين لله و اما الوطن فللجميع) , واجتمعت جميع الطوائف المسيحية في 20 يوليو /تموز لتصدر مذكرة مشتركة قدمتها للحكومة مطالبة ألا يتضمن الدستور اي ذكر للدين ,  كما اعترض الحوراني وانسحب من الحكومة فقد كان معظم كوادر حزبه من الدروز و النصيريين الذين لم يكن ليرضوا بأمر كهذا (11) وبسبب ذلك عدلت المادة لتكون (دين رئيس الدولة هو الاسلام) و أن الفقه الاسلامي المصدر الرئيسي للتشريع و أن حرية الاعتقاد مصونة(12) ولكن أثبتت التجارب أن صراعات السياسيين المسلمين لم تكن مجدية حيث كانت مكاسبهم دوما ما يتم الغاؤها بسرعة بقرارات العسكريين . احتدم الصدام أكثر بين حزب (الشعب) و الشيشكلي ,فبعد اتهام الجيش ل(منير العجلاني) بالتآمر مع ملك الاردن (عبدالله) و اعتقاله , واتهام (احمد الشراباتي) بالتآمر لاغتيال الشيشكلي و سجنه مع عشرين آخرين بتم تضمنت الهجوم القاء قنابل على كنيس يهودي و محاولة نسف مكتب وكالة غوث للاجئين (13)  و محاولة حزب الشعب التقليل من نفوذ الجيش وذلك بضم الدرك الى وزارة الداخلية بدلا من الجيش . انهارت الحكومة بسرعة و عيّن (ناظم القدسي ) (معروف الدواليبي) رئيسا للوزراء في 28 نوفمبر / تشرين الثاني 1951 , فقام هذا الاخير بإنشاء وزارة كانت اغلبيتها الساحقة من حزبه و كان الدواليبي قد أبدى استعداده للعمل مع الاتحاد السوفيتي ضد اسرائيل لكسر احتكار السلاح الامريكي فلم يحز على رضى الولايات المتحدة التي كانت تصف شخصيات مثل (الدواليبي) و (الحوراني) و (السباعي) بأنها شخصيات خطرة لا يمكن العمل معها , ووضع الدواليبي نفسه بالاضافة لرئيس الوزراء بمنصب وزير للدفاع متحديا مباشرة سلطة الجيش (14) فما كان من الاخير الا ان اطاح به وبحكومته بعد اقل من 24 ساعة في التاسع والعشرين من ديسمبر /كانون الاول و سجنه مع اغلبية وزرائه في سجن المزة , لتبدأ فترة ما يعرف بالانقلاب الثاني للشيشكلي و الرابع لسوريا .


في 29/11/1951 اعلن البلاغ رقم واحد (الرابع خلال سنتين) أن الجيش سيتولى مقاليد الحكم ,واتهم حزب الشعب بالتآمر مع الاجنبي و إثارة الفوضى , وأعلن بعد يومين عن استقالة رئيس الجمهورية و استلام رئيس الاركان العقيد (فوزي السلو) السلطات التشريعية و التنفيذية ليحكم الشيشكلي من خلف الاضواء , و أمر بحلّ جميع الاحزاب و اغلاقها بالشمع الاحمر . رحبت الادارة الامريكية بالانقلاب عبر وزير خارجيتها (دين اتشيسون) التي اتفق معها الشيشكلي بأن تدعمه في الخفاء حتى تتوطد له الامور داخليا (15) . قام الشيشكلي في تلك الفترة بمجموعة كبيرة من الاصلاحات تضمنت إشراف الحكومة المباشر على المدارس الخاصة و الاجنبية ومنع افتتاح المدارس التبشيرية و شدد الرقابة على التبرعات الخارجية و أمر بتوحيد الزي الديني لعلماء الدين (ولكن هذا الامر اثبت سلبيته لاحقا حيث تسلل الباطنيون من خلاله باسم علماء مسلمين) و منعهم من الذهاب الى المقاهي و اماكن اللهو حيث كانوا يرتادونها (للأسف) و اصدر قرار لأول مرة في 24/8/1952 بمعاقبة كل من يخرق حرمة الصيام , ومنع الاجانب من التملك في سوريا و فرض رقابة على أي اتصالات يقومون بها مع أي مؤسسة حكومية وخاصة الاثار , و اصدر قرار يعاقب من يحصل على تمويل اجنبي للدعاية , كما قام بزيادة حصة الفلاحين المستأجرين ب 75% حتى اوردت جريدة التايمز عن سوريا قائلة  "لا يوجد بلد في الشرق الاوسط اكثر تنظيما من سوريا" (16) . ومن اجل ايجاد غطاء سياسي أسس الشيشكلي حزب (التحرير العربي) في 24/7/1952 برئاسته شخصيا و أحال بعد ذلك اللواء (فوزي سلو) الى التقاعد و استلم هو منصب رئاسة الجمهورية بعد دمجها بمنصب رئيس الوزراء (17) لكن الاحزاب لم ترض بأن تكون خارج السلطة و لم يهمها مصلحة البلد الذي اخذ يمشي بالفعل بخطوات واسعة نحو التقدم , فلم تهتم الا لمصلحتها و اخذت تجتمع معا من أجل الاطاحة بالشيشكلي.


(احذروا الجبلين) كلمة قالها الشيشكلي قبل مغادرته سوريا فقد كان أول من ادرك الخطر الباطني المهدد لسوريا (18).فقد نفي الضابط النصيري  (محمد معروف) الى لبنان و عيّن (ابراهيم الحسيني) كقائد للشرطة بدلا من (غسان جديد) و همش (عزيز عبدالكريم) و  في الاول من اغسطس /آب 1950 اغتيل قائد القوة الجوية (محمد حسن ناصر) وهو نصيري من قرية (عين شقاق) في ريف اللاذقية و اعترف وزير خارجية العراق (توفيق السويدي) عن اتفاق مع هؤلاء الضباط للقيام بانقلاب ضد الشيشكلي , حيث بدأ هذا الاخير يحس بخطر الباطنيين وتغلغلهم في الجيش . في تقرير سري للمفوضية الامريكية في سبتمبر 1951 أوردت قائلة "إن الأفكار المتمثلة في التطرف الديني والعرقية ومعاداة الغرب لا تجد طريقها للانتشار في صفوف الجيش, ولكن تمثيل الأقليات في الجيش أكبر من تمثيلهم في الحياة السياسية التي تعطي للمسلم السني أهمية أكبر, ولهذا السبب بالذات فإن الجيش أكثر تسامحاً, ويتميز بتوجه غربي وفكر مناهض للإقطاع, كما يميل ضباطه الصغار إلى أفكار الحزب القومي السوري الذي يتمتع بتمثيل قوي في الجيش" (19). تميز الحزب القومي السوري بوجود تمثيل قوي للاقليات فيه خاصة من الدروز ايام حسني الزعيم و النصيريين ايام الشيشكلي , و كان لنقمة اعضاء حزب الشعب دور الغطاء في اسقاط الشيشكلي ,فقد كانت علاقتهم قوية بالهاشميين و هؤلاء الاخيرين كانت لهم ارتباطات مع الدروز الذين اخذت بريطانيا تغذي صلاتها بهم  فكان الشيشكلي يقول "إن اعدائي كالأفعى رأسها في جبل الدروز وبطنها في حمص و ذنبها في حلب ,فإذا سحقت الرأس ماتت الافعى" (20) و كان يقصد بحمص (الحزب الوطني)  و معقل آل الاتاسي الذي كان يترأسهم العقيد (فيصل الاتاسي) و بحلب (حزب الشعب) , فقد تعلم الشيشكلي من مشاركته في الانقلابين الماضيين أن السياسيين لا يشكلون خطرا حقيقيا ولكن القوة الحقيقية تكمن في المواجهة العسكرية التي كان الدروز على رأسها دوما , وللأسف كان هناك من حمقى المسلمين السنة ممن كان يحرضهم على ذلك و على رأسهم (اكرم الحوراني) الذي اتحد حزبه (العربي الاشتراكي) مع حزب (البعث) بقيادة (ميشيل عفلق) و (صلاح البيطار) في نوفمبر/تشرين الثاني 1952.  و تعاون مع بالتعاون مع البعثي (منصور الاطرش) احد ابناء سلطان الاطرش في توزيع مناشيره في السويداء في يناير/كانون الثاني فاعتقل و ثار الدروز لاعتقاله , وكان هناك دور آخر ل(صبري العسلي) ,يروي (حسن الاطرش) قائد تمرد الدروز آنذاك قائلا"في منتصف عام 1953 بعث رئيس الحزب الوطني (صبري العسلي) الي يقول بأننا يجب ان نوحد قوانا ,فأخذنا بتعبئة الجبل بينما السياسيون يعقدون اجتماعات سرية فوقعوا في 4/6/1953 ميثاقا لإسقاط الشيشكلي ,لكن الشيشكلي تنبه للأمر فاعتقل وفد الدروز في دمشق و ارسل قواته لمحاصرة الجبل و هرب سلطان الاطرش الى الاردن , وأعلن (كمال جنبلاط) عن استعداده لنجدتنا لولا ان الممرات الجبلية كانت مغطاة بالثلوج" (21) واكتشف لاحقا أن صبري العسلي قد قبض 15 الف دينار من عراق (نوري السعيد) وقد اعترف بذلك خلال محاكمات ثورة 14 /تموز/ 1958 م في العراق وكان العسلي قد أصبح نائبا لًرئیس الجمھوریة العربیة المتحدة، جمال عبد الناصر، وطالب  بإعفائه من منصبه بعد ھذه الفضیحة (22) فقد كان للعراق دورا مهما كشف عنه سفير سوريا في العراق (خليل مردم) الذي كان يبلغ حكومته بدعم المعارضة السورية في العراق التي كان ابرز رموزها الضباط المسرحين (محمد صفا) و (مصطفى الدواليبي) و (عصام مريود) (23)  .

صبري العسلي رئيس حزب الكتلة الوطنية

بداية النهاية , في 31/1/1954 هاجم اللواء السادس جبل الدروز و سقط عدد من القتلى الدروز و هرب سلطان الاطرش الى الاردن حيث اصدقائه الهاشميين والبريطانيين , ووضع الجيش يده على كميات من الاسلحة استخدمها الدروز في تمردهم وكانت الاسلحة تم تهريبها من اسرائيل فقام الجيش بعرضها في جامعة دمشق وتكلمت الصحف وقتها عن هذه المؤامرة (24) وكان الدروز وقتها مستعدين للزحف نحو دمشق لذا فقد كانت المدفعية تدك بعض قرى الجبل وقتها وذكر راديو اسرائيل ان الوقت ملائم للتدخل في سوريا (25) وبدأ الضباط المناوئين بتجهيز انفسهم للانقلاب عليه. في 25 شباط /فبراير 1954 تحرك النقيب (مصطفى حمدون) تلميذ اكرم الحوراني المخلص في حامية حلب واحتل مبنى الاذاعة فيها و اذاع بيان التمرد و تبعه  (فيصل الاتاسي) الذي كان في حلب ايضا ثم (امين ابو عساف) في ديرالزور (26) و طالبوا الشيشكلي بمغادرة البلاد , عرض رئيس الاركان (شوكت شقير ) وهو درزي على الشيشكلي استعداده لضرب المتمردين , لكن يروي احد الضباط وقتها ان شقير كان في نفس الوقت كان يخذّل الشيشكلي بأخبار مزيفة بكبر حجم الانقلابيين (27) فاقتنع الشيشكلي بضرورة ذهابه فقدم استقالته بعد ان اصدر بيانا قال فيه بأنه قادر على قمع التمرد لكنه لتجنب سفك دماء الشعب سيقدم استقالته , ولكن المتمردين لم يعرضوا سوى اخر جملة (28) و من الجدير بالذكر أن اسرائيل وقتها وجدت هذه الاحداث فرصة مناسبة للدخول الى سوريا , فقد ذكر (موشي شاريت) رئيس وزراء اسرائيل وقتها في مذكراته قائلا" ان لافون حاول إقناعي بأن ھذه ھي الفرصة الملائمة للعمل والتحرك لاحتلال المواقع على الحدود السوریة خلف خطوط الھدنة، لأن سوریا بدأت تتفكك، و حكومتھا على وشك السقوط  وان قوات العراق دخلت سوریا  فقلت له: یجدر بنا الانتظار قبل اتخاذ قرارنا النھائي، فأكد لي أن عنصر الزمن ثمین جدا ثم وافق ابن غوریون على الاقتراح، وعارضه شاریت بعد اجتماع بینھم محذرا مًن الأمم المتحدة  وفي جلسة لمجلس الوزراء وافق المجلس على رأي شاریت، ورفض مناشدة لافون الحماسیة وذكر في مذكراته ايضا أنه تعرض لضغوط كبيرة من قبل رئيس أركان  الجيش الإسرائيلي موشي دايان لتسليح دروز إسرائيل وتمكينهم من التدخل في المعارك  الدائرة بين الحكومة والمتمردين في جبل العرب و تأسف لافون وزير الدفاع قائلا "لقد ضيعت على اسرائيل فرصة نادرة"(29) 
رئيس الاركان الدرزي شوكت شقير

ذهب الشيشكلي مغادرا سوريا الى لبنان و منها الى البرازيل , حيث كانت له مزرعة هناك , فاغتاله درزي اسمه (نواف غزالة) في 27/9/1964 ونقل جثمانه الى حماه حيث دفن فيها (30) ولا يزال الدروز يفتخرون بمقتله حتى هذا اليوم ويعتبرون قاتله بطلا , وشهد جبل العرب أجواء احتفالية كبيرة, حيث عاد سلطان الأطرش من الأردن, وبدأ ممثلو الأحزاب السياسية يفدون إلى قرية سلطان الأطرش, فأرسل حزب الشعب والحزب الوطني وحزب البعث وغيرهم من الأحزاب الأخرى الوفود لتهنئته, وكأنه هو الذي صنع الانقلاب, وأعاد الحياة ( الدستورية في البلاد إلى نصابها (31) , لتنتهي صفحة الانقلاب الثالث في سوريا و تبدأ سوريا بالدخول في دوامات اخرى من الاغتيالات و محاولات الانقلاب .

القاتل الدرزي (نواف غزالة)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق